قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/224-225):
((وقد أنكره قوم، كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري، وجماعة بعدهما، كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونسب ذلك بعضهم لمالك؛ لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور؛ لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض، فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم، وأن أسماء الله كلها عظيمة، وعبارة أبي جعفر الطبري: "اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم، والذي عندي أن الأقوال كلها صحيحة؛ إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم،ولا شيء أعظم منه"، فكأنه يقول: كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم، فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم، وقال ابن حبان: "الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك، كما أطلق ذلك في القرآن، والمراد به مزيد ثواب القارئ.وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقا، بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى؛ فإن من تأتّى له ذلك استجيب له، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق، وعن الجنيد، وعن غيرهما".
وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطْلِعْ عليه أحدا من خلقه.
وأثبته آخرون مُعَيَّناً، واضطربوا في ذلك، وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولا:
الأول: الاسم الأعظم"هو"، نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف، واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام معظم بحضرته لم يقل له: أنت قلت كذا، وإنما يقول: هو يقول؛ تأدبا معه.
الثاني: "الله"؛ لأنه اسم لم يطلق على غيره، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثم أضيفت إليه.
الثالث: "الله الرحمن الرحيم"، ولعل مستنده ما أخرجه ابن ماجة عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمها الاسم الأعظم فلم يفعل، فصلت ودعت: (اللهم إني أدعوك الله، وأدعوك الرحمن، وأدعوك الرحيم، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم...) الحديث، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ((إنه لفي الأسماء التي دعوت بها)) قلت: وسنده ضعيف، وفي الاستدلال به نظر لا يخفى.
الرابع: "الرحمن الرحيم الحي القيوم"؛ لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم}[البقرة:163]، وفاتحة سورة آل عمران {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}[آل عمران:2])) أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، وحسنه الترمذي وفي نسخة صححه، وفيه نظر؛ لأنه من رواية شهر بن حوشب.
الخامس: "الحي القيوم"، أخرج ابن ماجة من حديث أبي أمامة: ((الاسم الأعظم في ثلاث سور، البقرة وآل عمران وطه)) قال القاسم الراوي عن أبي أمامة: (التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم)، وقواه الفخر الرازي، واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية مالا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما.
السادس: "الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، الحي القيوم" ورد ذلك مجموعا في حديث أنس عند أحمد والحاكم، وأصله عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان.
السابع: "بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام" أخرجه أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي وأثنى عليه قال: كنت اسأل الله أن يريني الاسم الأعظم، فأُريته مكتوبا في الكواكب في السماء.
الثامن: "ذو الجلال الإكرام" أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: ((قد استجيب لك، فسل))، واحتج له الفخر بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الإلهية؛ لان في الجلال إشارة إلى جميع السلوب، وفي الإكرام إشارة إلى جميع الإضافات.
التاسع: "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة، وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك.
العاشر: "ربّ ربّ" أخرجه الحاكم من حديث أبي الدرداء وابن عباس بلفظ ((اسم الله الأكبر رب رب))، وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة: ((إذا قال العبد: يا رب يا رب، قال الله تعالى: لبيك عبدي، سل تعط)) رواه مرفوعا وموقوفا.
الحادي عشر: "دعوة ذي النون" أخرج النسائي والحاكم عن فضالة بن عبيد رفعه ((دعوة ذي النون في بطن الحوت: لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم قط إلا استجاب الله له)).
الثاني عشر: نقل الفخر الرازي عن زين العابدين أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم، فرأى في النوم: هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.
الثالث عشر: هو مخفي في الأسماء الحسنى، ويؤيده حديث عائشة المتقدم، لما دعت ببعض الأسماء وبالأسماء الحسنى، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((إنه لفي الأسماء التي دعوت بها)).
الرابع عشر: كلمة التوحيد، نقله عياض كما تقدم قبل هذا))اهـ.