الحكيم الروحاني الكبير Admin
المساهمات : 2780 تاريخ التسجيل : 13/09/2016
| موضوع: قصة سيدنا لقمان الحكيم عليه السلام الأربعاء سبتمبر 14, 2016 2:05 pm | |
| قال تعالى في سورة لقمان : ((وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )).
( تفسير علي بن إبراهيم ) عن حماد قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لقمان وحكمته التي ذكرها الله عز وجل ؟ فقال: أما والله لقد أوتي لقمان الحكمة لا بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال , ولكنه كان رجلا قوياً في أمر الله متورعاً في الله عميق النظر طويل الفكر لم ينم نهاراً قط ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال , لشدة تستره , ولم يضحك من شيء قط ولم ينازع إنساناً قط ولم يفرح بشيء أتاه من أمر الدنيا ولا حزن منها على شيء قط , وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقد مات أكثرهم إفراطاً فما بكى لأحد منهم , ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما , ولم يسمع قولاً من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه ؟ وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء , وكان يغشي القضاة والملوك والسلاطين , فيرثي للقضاة مما ابتلوا به ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم بذلك ويتعلم ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه وكان يداوي قلبه بالتفكر ويداوي نفسه بالعبر وكان لا يتكلم إلا فيما يعنيه. فبذلك أوتي الحكمة , وأن الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقابلة: فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض وتحكم بين الناس ؟ فقال لقمان: لقد أمرني ربي فالسمع والطاعة , لأنه إن فعل بي ذلك أعانني وعلمني وعصمني وان هو خيرني قبلت العافية , فقالت الملائكة : يا لقمان لم قال: لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين وأكثر فتناً وبلاءاً. ثم ساق الحديث إلى قوله : فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاءاً , فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه وخرج على الناس ينطق بالحكمة.
فلما أوتي الحكمة ولم يقبلها , أمر الله الملائكة فنادت داود بالخلافة , فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان , فأعطاه الله الخلافة في الأرض , وابتلي فيها غير مرة , وكل ذلك يهوي في الخطأ , فيقيه الله ويغفر له. وكان لقمان يكثر زيارة داود ويعظه بمواعظه , وكان يقول له داود عليه السلام طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية , وأعطي داود عليه السلام الخلافة وابتلي بالخطأ والفتنة.
فوعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطر وانشق , وكان فيما وعظه أن قال: يا بني انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد , يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك وخذ من الدنيا بلاغاً ولا ترفضها تكون عيالا على الناس , وصم صوماً يقطع شهوتك ولا تصم صياماً يمنعك من الصلاة أحب إلى الله من الصيام , يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير , فاجعل سفينتك فيها الإيمان واجعل شراعها التوكل واجعل زادك فيها تقوى الله , فإن نجوت فبرحمة الله وإن هلكت بذنوبك , يا بني إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيراً , يا بني خف الله خوفاً لو أتيت ببر الثقلين خفت أن يعذبوك , وارج الله رجاءاً لو وافيت القيامة بذنوب الثقلين ورجوت أن يغفر الله لك.
فقال ابنه : يا أبة وكيف أطيق هذا وإنما لي قلب واحد فقال يابني لو استخرج قلب المؤمن فشق , لوجد فيه نوران , نور للخوف ونور للرجاء , لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر مثقال ذرة , يابني لا تركن إلى الدنيا ولا تشغل قلبك بها , فما خلق الله خلقاً هو أهون عليه منها , ألا ترى أنه لم يجعل نعيمها ثواباً للمطيعين ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان فيما أوصى به لقمان ابنه ناتان أن قال له يابني ليكن مما تتسلح به على عدوك فتصرع : المماسحة – أي المصادقة وإعلان الرضا عنه – ولا تزاوله بالمجانبة فيه , فيبدو له ما في نفسك فيتأهب لك , يابني اني حملت الجندل والحديد وكل حمل ثقيل فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء , وذقت المرارات كلها فلم أذق شيئاً أمر من الفقر , يا بني اتخذ ألف صديق وألف قليل ولا تأخذ عدواً واحداً , والواحد كثير.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
تكثر من الإخوان ما سطعت انهم عماد إذا ما استنجدوا وظهور
وليس كثير ألف خل وصاحب وان عـدواً واحـداً لكثير
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له : يابني ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق إن الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة , والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة. وأما أول ذلك : فكان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد , ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقاً من لبن أمه يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة , ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقاً من كسب أبويه ورأفة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك , حتى أنهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة حتى إذا كبر وعقل واكتسب وضاق به أمره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزق وسوء يقين بالخلف من الله له في العاجل والآجل ّ فبئس العبد هذا يابني.
ثم قال: يا بني إن تك في شك من الموت فادفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك , وإن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك , فإنك إذا نكرت في هذا علمت أن نفسك بيد غيرك , وإنما النوم بمنزلة الموت وإنما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت , يا بني لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبتعد فتهان كل دابة تحب مثله وابن آدم لا يحب مثله لا تنشر برك إلا عند باغيه , يابني لا تتخذ الجاهل رسولا فإن لم تصب عاقلا حكيما يكون رسولك , فكن أنت رسول نفسك , فإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا وإذا شككتم بالقصد فقفوا وتوامروا وإذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه , فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عيناً للصوص أو يكون هو الشيطان الذي يحيركم , واحذروا الشخصين أيضاً إلا أن تروا ما لا أرى , فإن العاقل إذا بصر بعينه شيئاً , عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب , يابني فإذا جاء وقت الصلاة فلا تأخرها لشيء وصلها واسترح منها , فإنها دين , وصل في جماعة ولو على رأس زج ولا تنامن على دابتك , فإن ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك , وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وإذا أردت قضاء حاجة فابعد المذاهب في الأرض وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها , فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة , وإياك والسير من أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة من لدن نصف الليل إلى آخره وإياك ورفع الصوت في مسيرك.
وقال أمين الإسلام الطبرسي : اختلف في لقمان :
فقيل : انه كان حكيما ولم يكن نبياً . عن ابن عباس وأكثر المفسرين
وقيل : انه كان نبياً.
وقيل : انه كان عبداً أسوداً حبشياً غليظ المشافر مشقوق الرجلين في زمن داود عليه السلام.
وقال له بعض الناس : ألست كنت ترعى الغنم معنا فمن أين أوتيت الحكمة ؟ قال: أداء الأمانة وصدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.
وقيل : انه كان ابن أخت أيوب.
وقيل : ابن خالته.
وعنه صلى الله عليه وآله : لم يكن لقمان نبياً ولكنه كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين , أحب الله فأحبه ومنّ عليه بالحكمة.
وذكر : أن مولى لقمان دعاه فقال: إذبح شاة فأتني بأطيب مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان , ثم أمره بذبح شاة فقال له: إئتني بأخبث مضغتين منها فأتاه بالقلب واللسان , فسأله عن ذلك فقال: إنهما أطيب شيء إذا طابا , وأخبث شيء إذا خبثا.
وروي : أن مولاه دخل المخرج فأطال الجلوس , فناداه لقمان : إنّ طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد ويورث الباسور ويصعد الحراراة إلى الرأس , فاجلس هوناً وقم هوناً. قال : فكتب حكمته على باب الحشر.
وروي : أنه قدم من سفر فلقى غلامه في الطريق فقال: ما فعل أبي ؟ قال مات قال: ملكت أمري , قال: ما فعلت امرأتي ؟ قال: ماتت , قال: أجدد فراشي , قال: ما فعلت أختي ؟ قال: ماتت , قال: سترت عورتي , قال: ما فعل أخي ؟ قال: مات , قال: إنقطع ظهري.
وقيل له : ما أقبح وجهك , قال تعيب على النقش أو على فاعل النقش.
وروي : أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع , وقد ليّن الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت , فلما أتمها لبسها وقال نعم لبوس الحرب أنت , فقال الصمت حكمة وقليل فاعله , فقال له داود بحق ما سميت حكيما.
ومن حكمته أنه قال: يابني إن الناس قد أجمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولا من جمعوا له , وإنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل ووعدت عليه أجراً فأوفه عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت , فكان حتفها عند سمنها. ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر , أخربها ولا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها . واعلم أنك ستسأل غداً إذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن أربع : شبابك فيما أبليته ؟ وعمرك فيما أفنيته ؟ ومالك مما اكتسبته ؟ وفيما أنفقته فتأهب لذلك وأعد له جواباً.
وقال لقمان : لأن يضر بك الحكيم فيؤذيك , خير من يدهنك الجاهل بدهن طيب , يابني لا تطأ أمتك ولو أعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها , يابني لا تفشين سرك إلى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك , يابني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة , فاحفظ منها أربعاً وسر معي إلى الجنة : أحكم سفينتك فإن بحرك عميق , وخفف حملك فإن العقبة كؤد , وأكثر الزاد فإن السفر بعيد , وأخلص العمل فإن الناقد بصير.
(بيان التنزيل) لابن شهر آشوب قال: أول ما ظهر من حكم لقمان أن تاجراً سكر وخاطر نديمه أن يشرب ماء البحر كله وإلا سلم إليه ماله وأهله ! فلما أصبح وصحا ندم وجعل صاحبه يطالبه بذلك ! فقال لقمان : أنا أخلصك بشرط أن لا تعود إلى مثله , قل له: إشرب الماء الذي كان فيه وقت إفادتي به أو اشرب ماءه الآن ؟ فسد أفواهه لأشربه , أو اشرب الماء الذي يأتي به فاصبر حتى يأتي فأمسك صاحبه عنه | |
|