العلاج بالقران الكريم بحث علمي "2015"2معالج روحاني شيخ روحاني فك السحر علاج السحر 
الإيحاء وسيلة المعوذين
مع التوثيق بالصوت والصورة تبين تجاوز البعض حدود الرقية الشرعية ودخول شيء من الحيل والتخييل, فاستخدم مثلا سلك كهربائي يبدو طرفه موصولا بمصدر التيار ويتصل طرفاه من الجانب الآخر بامرأة لصعق الجني داخلها وفي جو الرهبة والخوف من سيطرة المجهول يبلغ الإيحاء أن تصرخ المرأة أو تتحدث بصوت خشن كأن جنيا يتحدث بلسانها ويشهد جملة نساء حولها بأنهن قد شممن رائحة شياط الجني المحترق بينما الكهرباء غير متصلة بالسلك, ومن وسائل الإيحاء Suggestion لتحقيق الشعور بالراحة بعد الإقناع بطرد غزاة الجسد من الجان الذين نسبت إليهم كل المتاعب وجميع المشكلات استخدام جهاز تدليك يهتز ربما على مناطق حساسة بجسم الأجنبية أو وقوف أحدهم بثقله على بطنها وكلها ممارسات لا تتصل بنسب للرقية الشرعية, وبلغ تأثير الإيحاء أن يروي أحدهم بدهشة كيف أن سيارته قد كسر حامل عجلتها فجأة وكيف أن الشيخ قد اكتشف إصابتها بالجان حتى أنها أصدرت صوتا وبطاريتها منزوعة وبعد إصلاحها وطرد الجان لم يصبها شيء ولكنه لم يلاحظ أن سيارته متهالكة من السبعينيات, وقد أرجعت بعض الحالات المشخصة طبيا سلفًا إلى الجان خاصة الحالات النفسية مع الإيهام بطرده بوسائل متباينة أو التصالح معه, ولم تبين النتائج بعد استشارة المختصين تعذر التفسير الطبي والنفسي أو الضغوط الاجتماعية في أغلب الحالات ليسوغ التفسير الغيبي, وترجع الخطورة إلى أن التحسن الوقتي نتيجة للإيحاء قد يؤدي إلى تأخر المعالجة الطبية فتتفاقم الحالة, ولا يشفع للتجاوزات إضفاء هالة من الشرعية بتلاوة آيات أو التذرع بتحسن يدهش غير المختصين لحالات تبدو صعبة كالشلل الهستيري للجهل بأنه أحد الأمراض النفسية. 
وباستعراض طرق عدد من المعوذين تبين اتخاذ بعضهم الرقية مهنة واستثمرها تجارة, وعلى سبيل المثال مثلما يؤسس بعضهم شركة لتطهير البيوت من خطر الفئران أسس أحدهم شركة لتنظيف البيوت من مفاسد الجان, وادعى آخر اكتشاف خلطة أعشاب لعلاج جميع الأمراض مقروء عليها آيات الشفاء وأدعية التحصين من القرآن والسنة والرقية الشرعية. 
وقد تبين أن متوسط عدد الحالات التي ترد للرقاة أضعاف ما يرد على العيادات النفسية, وفي دراسة لعدد الرقاة في حي واحد تبين تزايدهم لأكثر من عشرة أغلبهم حرفيين والقليل جامعيين بينما لم يوجد أحد قبل حوالي ربع قرن مما يعكس وجود تغيرات جذرية تتعلق بضغوط اجتماعية ونفسية أدت إلى تسلط المعتقد الشعبي على العقول وإن تذرع بالمعتقد الديني, وممارسة أغلب الرقاة نوع من التطبب الشعبي اختلطت فيها قراءة الآيات والأدعية الشرعية ببدع على خلفية موحدة هي إمكان سيطرة الجان على إرادة الإنسان, وغالبا لا يملك المعوذ طارد الأرواح الشريرة The Exorcist أو الراقي معرفة تمكنه من تشخيص طبي أو نفسي, ولا يوجد مستند شرعي لتوهم استطاعته تشخيص حالة بعينها سحر أو عين أو تلبس بقدرة لم تؤثر عن النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة والتابعين وإن ادعى معاونة جان مسلمين يستحيل إثباتها, فضلا على أن المغالاة بتجاوز حدود الرقية الشرعية تفتح بابا للمدعين والمغرضين أو لتعليق عواقب سوء التصرفات على مجهول تستحيل ملاحقته فيسود الوهم والخداع وتتعطل المعالجة الحقيقية للمشكلات, وعلى سبيل المثال كانت شكوى إحداهن هي القلق الدائم من هدم زواجها الحالي مدعية وسوسة جان في اليقظة والمنام تهددها بكشف وثيقة زواج عرفي سابق. 
المحور الخامس 
خطر المشعوذين 
المشعوذ دجال قد يخفي غرض الكسب ويقنع بالهدايا بإدعاء عدم طلب الأجر خشية الملاحقة الأمنية, ولكن قد يأمن فيفضح غرضه بإعلانه في وسائل الإعلام مدعيًا قدرات يطلب معها الدفع مقدمًا, وفي أحد المواقع أعلن أحدهم أن لديه: (العلاج للعنوسة وربط الأزواج وما يشفي من كل سحر وحسد ومرض بالعلاج بالقرآن والأعشاب خاصة جميع الأمراض الخبيثة و المستعصية كالسرطان وأمراض الكبد والعقم عند النساء والرجال والعلاج ليس مجاني والدفع مقدما), وغالبا يجد المشعوذ ضالته فيمن بلغ حد اليأس تحت وطأة الضغوط الاجتماعية والمصابين بالأمراض المستعصية؛ الاجتماعية منها والبدنية, كما يستغل جهل المصابين بوهم التلبس بجان أو الوقوع فريسة لسحر, وذوي الحالات الصحية المزمنة كالبرص والسكري والسرطان, وذوي الأغراض المتعلقة بالمحبة والكراهية والانتقام كترهيب الزوج أو تدجينه أو الانتقام منه وتحطيمه أو لجلب السعد لابن عاطل أو لابنة عانس, والشعوذة مستمرة في الانتشار خاصة في الأوساط الشعبية حيث تقل الثقافة والوعي وتنتشر الأمية وتكثر الضغوط الاجتماعية والمشاكل الزوجية والمعاناة الدراسية, وتشكل النساء أغلبية الزبائن وهن يتداولن غالبا روايات مبالغ فيها عن حالات كثيرة "تحقق فيها المقصود"؛ تستوي في ذلك المتعلمات والأميات والشابات والمسنات، ومن خوفهن من الحسد والإصابة بالجان يتملكنهن الوهم ويصبن فعلا بوساوس وكوابيس وصداع وآلام فيندفعن نحو الدجالين ويقعن ضحية الابتزاز, وفي الحقيقة هذه جميعا أعراض نفسية وقد يؤدي تأخير علاجها الحقيقي إلى نتائج وخيمة, وكلما عالج علماء الشريعة المشاكل اليومية ونبهوا للسلوكيات المتجاوزة حد الشريعة كلما قلت الظواهر السلبية إذا لم تنعدم. 
المحور السادس 
ظواهر نفسية معلومة في الطب 
تشير هذه الدراسة إلى وجود تطابق تام بين الأعراض الطبية وتلك التي تنسب للجان وتعالج بالإيحاء بوسائل الطرد كالإيهام بالصعق الكهربائي, فتتشابه الأعراض تماما مع أمراض عضوية ونفسية يجهلها المعوذون فيبسطون الأمر بنسبة كل الحالات إلى الجان, وقد أكدت هذه الدراسة قوة الجانب الديني في البيئة الإسلامية, فإذا استثنينا تأثير الإيحاء نجد الانفعال الديني يفسر كثير من حالات الانفعال والاهتزاز والصراخ التي تصيب بعض المرضى عند سماع القرآن الكريم ويظن الحاضرون أنها أفعال الجني والشخص نفسه غير مسئول حتى لو اتهم آخر بجريمة في تلك الحال فهي شهادة لا ترد من جني بالواقعة, والحالات المرضية مثلا التي يشخصها المعوذون على أنها مس أو سحر تتشابه إلى حد التطابق مع تشخيص الطب النفسي, وقد تجد من المعوذين من يطلب وقف دواء طبي ضروري فتستفحل الحالة, وأكثرهم لا يأبهون بالطب النفسي بل إن منهم من يستهزئ بالأطباء اعتقادا منه أنه يمتلك علاجا لجميع الأمراض المستعصية, وبعضهم قد لا يتحفظ في مس الأجنبيات ومنهم من يقوم بضربهن أو خنقهن أو الضغط على بطونهن بيده ورجله مما قد يضطر بعضهن لمجاراته بالاعتراف الزائف بوجود الجني والتحدث بلسانه والتصريح بالراحة بعد خروجه تهربا من الأذى, والأنثى أكثر ضعفا في القدرة على التكيف والتوازن العقلي والنفسي مما يجعلها أطوع للإيحاء ميالة للمغالاة في قدرات المعوذ خاصة الأميات, وقد يتحدث جني على لسانها مخبرا بحالة عشق أو مس وإن لم يخرج الحديث عن ثقافتها ولغتها, والإحساس بالذنب قد يتضاعف فيؤدي إلى كراهية الذات والوقوع في أسر الوهم مما يجعل المصابة أقرب للتأثر بالإيحاء, ويقلد أكثر الرقاة بعضهم وقد يتحول بعض المرضى إلى رقاة أو معاونين فهي إذن ثقافة شعبية سائدة أكثر منها دعاء بالرقية الشرعية. 
وانفصام الشخصية Schizophrenia مثلا هو أحد الأمراض الذهانية (العقلية) ويعاني فيه المصاب من اضطراب في التفكير والوجدان والإدراك والسلوك وضعف الإرادة, فينسحب من المجتمع ويغلق باب حجرته على نفسه كثيراً, ويقع ضحية ضلالات لا يقتنع بعدم صحتها وتشمل ضلالات الاضطهاد والعظمة كأن يعتقد أنه زعيم أو مخترع أو أنه مراقب ومضطهد، وكثيراً ما يعانى من هلاوس غالبا ما تكون سمعية كأن يسمع أصوات غير موجودة في الواقع قد تعقب على تصرفاته أو تأمره, وتتسم أفكاره بالغرابة ويقفز إلى استنتاجات مفاجئة لا علاقة لها بالمقدمات ويتطرف في الآراء ويتحذلق في الحديث ويعاني من عدم اهتمام بالمظهر ويتدهور أدائه ومهاراته الاجتماعية والذهنية والوظيفية مع جمود وبرود في العاطفة والوجدان, وقد يأخذ وضعاً غريبا يظل متجمداً فيه لفترة طويلة مع ذهول أو هياج شديد بدون سبب واضح, وكثيراً ما يقاوم المريض فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي فتطوف به الأسرة على الدجالين والمشعوذين فيتأخر الشفاء وتزداد المضاعفات, 
ومرض الاكتئاب Depression هو شعور بالحزن والضيق واليأس وقد يصاحبه شعور بالذنب والتقصير والعجز مع فقدان الاهتمام وصعوبة التركيز وكثرة السرحان واضطراب في النوم كالأرق خاصة عند كبار السن وكثرة الكوابيس واضطراب الشهية وتعذر المتعة بأي شيء، ومن علاماته الكسل والإجهاد لأي نشاط عضلي أو عقلي وربما العصبية الزائدة والهياج لأدنى سبب, وقد يصاحب سن اليأس عند المرأة أو بعض الأمراض العضوية, وقد تزيد نسبته عن 5% من مجموع السكان, وتنشط أفكار سلبية في ذهن المريض تدفعه باستمرار إلى اليأس والحزن والتشاؤم والرغبة في الموت قد تؤدي إلى الانتحار في حوالي 15% من الحالات, وقد يعلن الاكتئاب عن نفسه في صورة أعراض جسمانية مثل آلام في أجزاء مختلفة من الجسم أو فقد القدرة الجنسية أو الشكوى من أعراض أمراض عضوية رغم أن الفحوصات الطبية تثبت عدم وجودها, وفي بعض الحالات الشديدة قد تظهر هلاوس hallucinations مثل سماع أصوات تحقر من شأنه أو تحثه على التخلص من حياته أو ضلالات وأفكار ثابتة خاطئة لا تستجيب إلى الإقناع مثل ضلالات الإحساس بالذنب أو ضلالات اعتلال الصحة, وتلك هي نفس الأعراض التي يتكرر سماعها في العيادات الشعبية للمعوذين ويتكرر نسبتها جميعا لأنشطة الجان في إيذاء الإنس, ولكن تلك الحالات تستجيب غالبا للعقاقير أو الصدمات الكهربية في الحالات الشديدة, وقد ثبت أن الالتزام بالصلاة وقراءة القرآن والصحبة الصالحة والتشاغل بأعمال البر ومعاونة المحتاجين يساعد العديد من الحالات بالسيطرة على الأفكار السلبية ونبذ الشعور باليأس والإحباط مع احتمال استرداد نسبة مادة السيروتونين Serotonin كمؤشر معملي إلى معدلها الطبيعي. 
المحور السابع
اجتهادات للعلماء استغلها المعوذون
قال الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: "اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في مس الشيطان للإنسان هل يتعدى ذلك إلى البدن فيصيبه بالسقم والمرض والأوجاع والآلام الشديدة حتى يصل إلى حالة الصرع والجنون كما هو متداول بين الناس اليوم بقولهم (فلان قد لبسه شيطان), فذهب بعض العلماء إلى الجواز, وذهب البعض الآخر إلى عدم الجواز معللين بأن الشيطان لا يستطيع ذلك ولا قدرة له عليه ولا يملك إلا الوسوسة, واستندوا إلى أدلة منها قوله تعالى:{إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} النساء 76, وقد استدل المجيزون لإمكان دخول الجن جسم الإنسان إلى أدلة كذلك منها قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} ص 41, فاعتبروا أن ما أصاب النبي أيوب عليه الصلاة والسلام في بدنه من فعل الشيطان وهو صريح الآية عندهم، ومنه ما أصابه في ماله وولده حيث هلكوا جميعاً, ولكن العلماء الذين منعوا أن يكون ذلك من الشيطان قد فسروا الآية تفسيراً ينسجم مع الآيات الأخرى والأحاديث الصحيحة والتي تبين أن الشيطان لا سبيل له على المؤمنين المخلصين, قال تعالى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الحجر 42, فمن باب أولى أن لا يتسلط الشيطان على الأنبياء في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وهو ما جزم به ابن العربي ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (ج 15ص 209) عند تفسير الآية الكريمة, فمنهم من فسر الآية على أن ما حصل لأيوب عليه الصلاة و السلام من الابتلاء في البدن والمال والولد إنما هو من الله تعالى وأضيف إلى الشيطان تأدباً مع الله سبحانه وتعالى..، كما قال الفخر الرازي (ج26ص213) أن ما أصابه في بدنه وذهاب ماله وولده وذهاب الخيرات عنه ونعيم الدنيا من الله تعالى وحده لكن الشيطان كان يذكره بالنعم التي كانت والآفات التي حصلت وكان هو يعمل على دفع تلك الوساوس الشيطانية فلما قويت في قلبه خاف وتضرع إلى الله قائلا: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}.., وأما قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ} الأعراف 201؛ فهو ظاهر في أن وسوسة الشيطان وغوايته عن بعد دون الدخول في أبدانهم كما قال الفخر الرازي (ج15ص98), وقال القرطبي (ج7ص350): (والمعنى أن الذين اتقوا إذا لحقهم شيء تفكروا في قدرة الله عز وجل وفي إنعامه عليهم فتركوا المعصية), وأما قوله تعالى: {الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} البقرة 275؛ فقد نقل الفخر الرازي (ج7ص88) عن الجبائي قوله بأن الصرع إنما يحدث عند وسوسة الشيطان من ضعف الطباع بحيث يخاف الإنسان فيصرع كما يصرع الجبان من الموضع الخالي ولهذا لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين, وقد أبطل أن يكون للشيطان مدخل على الإنسان إلا من جهة الوسوسة مستشهداً بالمعقول والمنقول, وكذلك أنكر القفال من علماء الشافعية دخول الجن جسم الإنسان وقال بأن الناس إنما يضيفون الصرع إلى الشيطان وإلى الجن فخوطبوا على ما يعرفون كما في قوله تعالى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} الصافات 65؛ فإن من عادتهم أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيفوه إلى الشيطان, وقال الزمخشري (ج1ص399): (كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان؛ أي المصروع, وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والخبط الضرب.. العشواء، فورد على ما كانوا يعتقدون، والمس الجنون, ورجل ممسوس.. أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله، وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن.. ولهم في الجن قصص وأخبار وعجائب وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات), وقال أبو السعود (ج1ص399): (وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع من المس وهذا أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله), بينما قال القرطبي (ج3ص355): (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن)، وقال الألوسي: (المرابي في الدنيا لا يقوم يوم القيامة إلا كما يقوم المتخبط المصروع في الدنيا).., ونقل عن ابن عطية أن المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن أسرع بحركات متعجلة في كل اتجاه قد جن, ثم رد عليه بقوله: (ولا يخفى أنه مصادم لما عليه سلف الأمة), واعترض على من أنكر دخول الجن جسم الإنسان بقوله: (قالت المعتزلة والقفال من الشافعية إن كون الصرع والجنون من الشيطان باطل لأنه لا يقدر على ذلك كما قال تعالى حكاية عنه {وما كان لي عليكم من سلطان}.. على ما يزعمه العرب ويعتقدونه من أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجني يمسه فيختلط عقله, وليس ماقالوه حقيقة وليس بشيء بل هو من تخبط الشيطان بقائله ومن زعماته المردودة بقواطع الشرع فقد ورد (ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً), وفي بعض الطرق (إلا طعن الشيطان في خاصرته) ومن ذلك يستهل صارخاً إلا مريم وابنها لقول أمها: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم), وقوله عليه الصلاة والسلام: (كفوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين), وقد ورد في حديث المفقود الذي اختطفته الشياطين وردته في زمنه عليه الصلاة والسلام أنه حدث من شأنه معهم فقال: (فجاءني طائر كأنه جمل.. فاحتملني على خافية من خوافيه) إلى غير ذلك من الآثار وفي آكام المرجان في أحكام الجان كثير منها, واعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقية واقعة كما أخبر الشرع عنها والتزام تأويلها كلها يستلزم خبطاً طويلاً لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم, والآية التي ذكروها في معرض الاستدلال على ما ادعوه لا تدل عليه إذ السلطان المنفي فيها إنما القهر والإلجاء إلى متابعته لا التعرض للإيذاء والتصدي لما يحصل بسببه الهلاك, ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قطعاً بجواز وقوع ذلك من الشيطان.., وخبر (الطاعون من وخز أعدائكم الجن) صريح في ذلك وقد حمله بعض مشايخنا المتأخرين على نحو ما حملنا عليه"[15]. 
وقال الشيخ إبراهيم عبد الرحمن الموسى: "شاع بين بعض الرقاة الاستعانة بالجن في تشخيص أو علاج الحالات..، وبعضهم يستند إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في مشروعية الاستعانة بالجني المسلم في العلاج, وقد فهموا كلام شيخ الإسلام خطأ، فكيف تعرف أيها الراقي أن هذا الجني مسلم أو كافر خاصة أن الجن من عالم الغيبيات فهم يرونا ولا نراهم؟.. فالاستعانة بالجن حتى ولو ادعوا الإسلام لا تجوز, ومما يدل على ذلك عدم ورود الاستعانة بالجن عن النبي صلى الله عليه وسلم.. (و)في الاستعانة بالجن تشبها بالسحرة والمشعوذين..، (و)لو كان شيخ الإسلام قد أفتى بمشروعية الاستعانة بالجن فإنما هو بشر يخطئ ويصيب والعمدة في ذلك بما جاء في الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة.., (ولكنه) لا يقصد مشروعية الاستعانة بالجن.., قال رحمه الله (أعرف من يخاطبه النبات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ومنهم من يخاطبه الحجر والشجر.. وأعرف منهم من يقصد صيد الطيور فتخاطبه العصافير.. ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسي).., (و)إذا ذهب المريض إلى الراقي الذي يرقي بالطرق البدعية التي تتضمن استعانة بالشياطين سرعان ما.. يقتنع المريض بهذا الراقي الخرافي ويترك الراقي الشرعي وهذا أعظم مقصود للشيطان.., وفي ذلك أيضاً إضلال للراقي واستدراجه إلى الطرق البدعية والخرافة فتجده يتحول من الرقية الشرعية المشروعة إلى الرقية المحرمة وينتقل من السنة إلى البدعة.. وأعظم من ذلك قد يرتد عن الإسلام لخدمة الشياطين.. حتى.. تساعده.., (و)تجد أكثر من يستعين بالجن ممن قل حظهم في العلم فهم للجهل أقرب.., (و)الراقي الجاهل فإنه وإن نفع الناس في باب إلا أنه يضر نفسه والآخرين بجهله, وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (برقم: 20361 في: 1441419هـ) تضمنت سؤالاً عن حكم الاستعانة بالجن في معرفة العين أو السحر وكذلك تصديق الجن المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه فأجاب العلماء الفضلاء بما نصه: (لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها لأن الاستعانة بالجن شرك, قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} الجن 6, وقال تعالى: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} الأنعام 128, ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم).., (و)أختم بكلام جميل.. (لأحدهم): (أطرح هنا تساؤلا لمن يستعين بالجن قد يزيل الغشاوة..: من أنت حتى تنقاد لك الجن تأمرها وتنهاها تنفذ طلباتك وتسارع إلى مرضاتك؟ هل أنت نبي وهذه معجزتك؟ أو ولي وهذه كرامتك؟ أم ساحر أو كاهن وهذه مخرقتك؟ أم أنك مريض وتحتاج من يعالجك؟.., أخشى أن تكون مريضاً ممسوساً وأنت لا تعلم أو أنه استدراج من الشيطان)"[16]. 
وفي كتاب (تحذير الداعية من القصص الواهية) في قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون؛ قال الشيخ علي حشيش (ج1ص201): "هذه القصة التي صارت أصلاً لمخالفة عصرية جديدة ألا وهي التعامل مع الجن بضرب المجنون؛ فقد بينت من قبل.. فرية إحضار الجان وبطلان ما نسبوه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّد آيات عند قراءتها في أذن المجنون يحضر الجان وبينت أن القصة واهية.., (و)هذه الأصول الواهية (هي) التي بها احترفت مهنة التعامل مع الجان وانتشرت من جديد العرافة والكهانة بصورة جديدة، وكانت هذه المرة وراء ادعاء العلاج بالقرآن الكريم حتى يظلوا يمارسون هذا التعامل في حماية اسم القرآن الكريم وكي تزداد قوة تأثيرهم في عامة الناس، والعامة لا يفرقون بين الرقى الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين هذه المخالفة العصرية.. (و)الرقى الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة.. يلجأ الناس (فيها) إلى الله.. لا يلتفتون إلى أشخاص فيحقق الله لهم وعده في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة 186, وقوله تعالى: }وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} غافر 60, (و)متن قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون: (رُوِي عن أُم أبان بنت الوازع عن أبيها أنَّ جدها الزارع انطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانطلق معه بابن له مجنون أو ابن أخت له، قال جدي: فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة قلت: يا رسول الله إنَّ معي ابنًا لي أو ابن أخت لي مجنون أتيتك به تدعو الله عز وجل له، فقال: (ائتني به), فانطلقت به إليه وهو في الركاب فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (ادْنُهُ مِني اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَليني), قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظَهْرَهُ حتّى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: (اخرج عدو الله), فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول ثم أقعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفضل عليه), (و)الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.., (و)هذه القصة واهية والخبر الذي جاءت به لا يصح وهو غريب لا يروى عن الزارع إلا بهذا الإسناد, وعلة هذا الخبر أم أبان بنت الوازع بن زارع, أوردها الإمام الذهبي في الميزان فقال: (تفرد عنها مطر الأعنق).., (وبالمثل) بعد أن أورد الإمام الهيثمي الخبر.. في مجمع الزوائد قال: (أم أبان لم يرو عنها غير مطر).., (إذن) انفرد راو واحد بالرواية عنها.., (ولهذا) أهميته عند علماء أصول الحديث.., قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: (إن سمى الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين), (و)بالتحقيق نجد أن أم أبان لم يوثقها أحد من علماء الجرح والتعديل.. (فهي إذن) مجهولة العين لم يوثقها أحد وهذا الخبر الذي جاءت به القصة غريب مردود حكمه عدم القبول.., (وقد) استنباط بعضهم من هذه القصة الواهية دليلاً واهيًا على ضرب المرضى والمجانين, وهذا الاستنباط كان له أثره السيئ حيث تمادى المعالجون ومنهم جهلة قاصرون فاعتبروا كل الأمراض تَلَبُّسًا من الجان واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذي الجن المتلبس، وقد حدثت مآسٍ بل حالات قتل.. (و)إزهاق النفس التي حرم الله بغير حق فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا القتل, ولقد بينت عدم صحة هذه القصة المستخدمة في إحضار الجان وأنها باطلة ومنكرة ولم يعمل بها أحد من الصحابة وهي من الأمور المحدثة..، من أجل هذا عندما سُئل الشيخ الألباني رحمه الله عن التعامل مع الجن.. أجاب قائلاً: (التعامل مع الجن ضلالة عصرية ولا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية الشرعية كما هي ثابتة في الكتاب والسنة وأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم)"[17].